– عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو
تخضع أدوات جمع البيانات التقليدية لطيف واسع من الانحيازات بدءًا من انحيازات تتعلّق بالباحثين أنفسهم، ومرورًا بعملية جمع البيانات التي عادةً ما تتمّ في ظروف بحثية وضمن علاقة وأُطُر رسمية ممّا قد يخلق لدى المبحوثين تحفّظات وتوجّسات مختلفة حول الإفصاح عن البيانات بشكلها الدقيق أو حتّى التفكير بطريقة عفوية مماثلة لطرق التفكير واتّخاذ القرار التي تسيطر على أحدنا حين يهمّ باتّخاذ قرار ما مثل الشراء أو الانضمام لنادٍ رياضيّ أو حتّى الإقدام على التعرّفعلى صديقٍ جديد أو عمّا إذا كُنّا سنتناول نوع مُعيّن من الطعام إذا ما أُتيح لنا عدّة خيارات مختلفة.
وحتّى لو سلمت منهجية البحث من انحيازات منهجية عدّة قدر الإمكان، فإنّه لا يمكننا أن نتجنّب الوقوع في انحيازاتنا الإدراكية في تفسير ذات البيانات، وذلك لأنّنا نتحرّك من داخل نفس الإطار النظري للأدوات التي قُمنا باستخدامها بالأساس، ونتيجة لهذا سنقع بمايُسمّيه عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو بقانون الأداة، وهو ما يحدث حين يزيد اعتمادنا على الأدوات التقليدية المُتاحة بين أيدينا، من أنّنا سنُشوّه جميع الحقائق الخارجية الأخرى كي تتلاءَم مع ما نملكه من أدوات، بدلًا من أن نقوم بتبديل الأدوات التي نقوم باستخدامها. وإذا ما قمنا بالمزاوجة بين الانحيازات النفسية الإدراكية وعملية جمع البيانات وتفسيرها فإنّ أول ما يجب أن يُثير قلقنا هو “الانحياز التأكيدي” Confirmation Bias الذي يُخبرنا بأنّنا نميل إلى إغفال الحصّة الأكبر من الحقائق بسبب قناعاتانا المُسبقة وبالتالي حصر تفكيرنا وأدواتنا بجانب ضيّق ومحدود من المسألة التي نتناولها.
ما المشكلة باستخدام الاختبارات التقليدية لتقييم الأطفال؟
“لا يمكننا حلّ المشاكل باستخدام نفس نوع التفكير الذي استخدمناه عندما تسببنا بها” – آلبرت آينشتاين
تخبرنا الدراسات أنّ طُرُق تقييمنا للأطفال كثيرًا ما تكون مُجحفة بحقّهم، وكثيرًا ما تُضلّلنا وتُعطينا انطباعاتٍ مغلوطة حول أداء الأطفال ومهاراتهم ومعارفهم. على سبيل المثال، يعتبر توتّر الامتحانات النفسي من الظواهر الشائعة إذ تنتشر هذه الظاهرة النفسية لدى ثُلثيّ الطلبة عالميًا، ويتسبّب “توتذر الامتحانات” بخفض الأداء الإدراكي للأفراد، أيّ أنّ معارف الأطفال الحقيقية لا تساوي تلك التي تخبرنا الامتحانات أنّها تمثّل مستوى معرفتهم ومهاراتهم. تحت وطأة القلق والتوتّر النفسي تضعف المهارات الإدراكية وتزداد العمليات العقلية صعوبةً سواء على مستوى استرجاع المعلومات أو تحليلها أو ربطها أو حلّ المشكلات.
ولعلّك تقول أنّ الأطفال الضعيفون أو الطلبة غير المتفوّقين هُم مَن يُعانون من توتّر الامتحان، ولو أنّهم قاموا بالتحضير جيدًا والدراسة بشكل أكبر لما تعرّضوا لهذا القلق، وهذا ما يُسمّى لدى الباحثين بـ “فرضية التداخل” إلّا أنّ الدراسات الحديثة وجّهت نقدًا لاذعًا لهذه الفرضية إذ وُجد أنّ مستوى قلق الامتحان لا علاقة له بالمعارف السابقة ولا بالتهيّؤ للامتحانات وإنّما الإشكال في وضعية الاختبار نفسها التي تُشعر الفرد أنّه تحت المجهر وقيد المُساءلة والتقييم، بل وجدت الدراسات الحديثة أنّ قلق الامتحانات لا يؤثّر فقط على مستوى الأداء خلال الاختبارات، بل يحرم الأطفال والطلبة القدرة على التعلّم لاحقًا.
ما هو البديل عن الاختبارات لتقييم مهارات الأطفال وأداء الطلبة؟
“الّلعب هو مهنة الطفل” – ماريا مونتيسوري
غالبًا ما يرتبط الّلعب والألعاب في أذهان أولياء الأمور والأجيال الأكبر سنًّا بحمولات سلبية تتعلّق بالإهمال الدراسي أو التأثير السلبي للألعاب على الأداء الأكاديمي للمراهقين أو حتّى تخوّفات من تراجع المهارات الاجتماعية لديهم. لكنّ الدراسات العلمية من حقل علم النفس والسلوك، تُخبرنا أنّ منظورنا للألعاب حتّى الرقمية غالبًا ما يكون محمولًا بحمولات سلبية لا يُصادق عليها العلم ولا يتّفق معها.
على سبيل المثال، تُظهر الدراسات أنّ الأطفال الذين ينخرطون بأنشطة الّلعب الرقمي، لديهم نشاط دماغي أعلى وأكثر حيوية على مستوى عدد من الوظائف العقلية، بالإضافة لكونهم أكثر قدرة على اتّخاذ القرارات الصحيحة بفعل علمية الدُربة والتكرار بالتجربة والخطأ خلال الألعاب ممّا يمكّنهم من اختبار قراراتهم المُستعجلة ومراجعتها وتحسينها مع الوقت. ولعلّه من الصادم القول أنّ حتّى المقولات الشائعة من ارتباط بعض أنواع الألعاب بسلوكيات العدائية والعنف، هي في الحقيقة مقولات غير دقيقة، يُفنّدها العلم ولم يجد ارتباطًا حقيقيًا واضحًا حتّى اليوم بهذا الشأن.
تُعطينا الإحصاءات انطباعًا أوّليًا جيّدًا عن عالَم الأطفال والأجيال الناشئة من الاهتمام المُتزايد في عالَم الألعاب الرقمية، والتزايد الهائل في عدد الّلاعبين حول العالَم، وبحسب الدراسات الجيلية التي تظهرها دراسات علم النفس الاجتماعي، فإنّ تغيّرات كبيرة تطرؤ من جيل لآخر حول اهتماماتهم وطرق تفكيرهم، ويبدو أنّه لا طائل من مقاومة هذه الاتّجاهات بقدر احتياجنا لتفهّمهما ومواكبتها ودراستها من أجل السعي لتعظيم مكاسبها وتقليل أضرارها.
تُعطينا الألعاب أو تلعيب الحلول التعليمية بصيغة أدق مقاربة أفضل وأكثر دقّة لسلوكيات المستخدمين من أطفال وشباب من أدوات التقييم التقليدية، أوًلًا لأنّ الألعاب تنتمي لعالمهم الذين هُم مهجوسون به بالأساس، وثانيًا لأنّ بإمكان تلعيب الحلول التعليمية أن تخلق ظروفًا مُحاكية لواقع الحال وممارسات الحياة اليومية، وثالثًا لأنّ الألعاب لا تُقدّم لك التقييم على هيئة استجواب أو تحقيق مُباشر وإنّما تتبّع مجموعة القرارات والمواقف المُتّخذة وتقوم بتحليلها سويةً عبر نظم تحليل حاسوبية مُعقّدة، وهو ما يُتيح المجال لاستدخال عوامل دخيلة مُتعدّدة مثل الفروقات العمرية والجندرية والثقافية وتجاوز الفروقات والعتبات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثّر تأثيرًا كبيرًا بقرارات الأفراد.
بحسب عدد من الدراسات الواعدة، فإنّ لدى الألعاب والحلول التعليمية القائمة على الّلعب القدرة على تقييم المهارات وجمع البيانات وإعطاء انطباعات عن قرارات الأفراد أكثر ممّا تملكه أدوات التقييم والمسوحات التقليدية.
كيف نعمل في ميم عين على خلق رؤية جديدة للتعليم؟
مواكبةً للوتيرة المُتسارعة للتغيّرات في العالَم وعبر استطلاعنا البحثي الجادّ والاستباقي، ننهج في شركة ميم عين إلى ابتكار حلول تعليمية قائمة على فلسفة التعلّم والقياس عبر الّلعب، وقد استعرضنا في هذا المقال جُزءًا يسيرًا وبسيطًا من المُبرّرات التي تدفعنا لأنّ نخصّص جهودنا وأدواتنا البحثية ومواردنا لأن نكون جُزءًا أساسيًا من موجة الابتكار القادمة فيما يتعلّق بالتقانة التعليمية أو تقنيات التعليم الحديث، ولا نسعى فقط لمواكبة هذا الاتّجاه وإنّما أن نقود موجة التقنية التعليمية وأن نخلق فلسفة جديدة للتعلّم والقياس الدقيق باستخدام أحدث التقنيات وبالاستناد للمنهج العلمي الرصين. وقد تمكّنا في ميم عين حتّى هذه الّلحظة بتطوير عدد من الحلول التي يمكنكم الإطّلاع عليها والوصول إلينا لتباحث سبل التعاون المشترك واستخدام هذه الحلول في نطاقات المدارس والمؤسّسات التعليمية والرسمية لجمع البيانات وتقييم الاتجّاهات والمهارات العامّة في أحد هذه المجالات:
المصادر